تعريف يسير بالامام البخاري رحمه الله تعالى

مدرسة الحديث العراقية

اسمه ونسبه:

هُوَ إِمَام الْمُسلمين وقدوة الْمُوَحِّدين وَشَيخ الْمُؤمنِينَ والمعول عَلَيْهِ فى أَحَادِيث سيد الْمُرْسلين وحافظ نظام الدّين أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجعفي بالولاء البخاري.

(علا عَن الْمَدْح حَتَّى مَا يزان بِهِ … كَأَنَّمَا الْمَدْح من مِقْدَاره يضع)

(لَهُ الْكتاب الذى يَتْلُو الْكتابَ هدى … هذى السِّيَادَة طودا لَيْسَ ينصدع)

(الْجَامِع الْمَانِع الدّين القويم وَسنة … الشَّرِيعَة أَن تغتالها الْبدع)

(قاصى الْمَرَاتِب دانى الْفضل تحسبه … كَالشَّمْسِ يَبْدُو سناها حِين ترْتَفع)

(ذلت رِقَاب جَمَاهِير الْأَنَام لَهُ … فكلهم وَهُوَ عَال فيهم خضعوا)

(لَا تسمعن حَدِيث الحاسدين لَهُ … فَإِن ذَلِك مَوْضُوع ومنقطع)

(وَقل لمن رام يحكيه اصطبارك لَا … تعجل فَإِن الذى تبغيه مُمْتَنع)

مولده:                                           

يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشر من شوال سنة 194 هـ ببخارى مدينة معروفة في أوزبكستان ، فهو بخاري فارسي الأصل ، أما تسميته بالجعفي فهي نسبة ولاء الإسلام لأن جده الأعلى المغيرة أسلم على يد اليمان الجعفي.

نشأته وطلبه للعلم:

ربِّي بالحلال الطيب، قال أبوه : لا أعلم في جميع مالي درهماً من شبهة.

قَالَ أَحْمد بن الْفضل البلخى ذهبت عينا مُحَمَّد فى صغره فرأت أمه إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ يَا هَذِه قد رد الله على ابْنك بَصَره بِكَثْرَة بكائك أَو دعائك فَأصْبح وَقد رد الله عَلَيْهِ بَصَره

أول سماعه سنة 205 هـ ، وألهم حفظ الحديث منذ الصغر.

وأول ترحاله سنة 210 هـ حج مع أخيه وأمه فبقي بمكة في طلب الحديث، ثم رحل إلى محدثي الأمصار: خراسان والشام ومصر والعراق ومنها بغداد مراراً.

كتب عن ألف وثمانين شيخاً، وقيل له: أتحفظ جميع ما أدخلته في المصنف ؟ فقال: لا يخفى علي جميع ما فيه. وكان يقول : أحفظ مائة ألف حديث صحيح وائتي ألف حديث غير صحيح. وعنه أيضاً: وقل اسم في التاريخ إلا وله عندي قصة .

كتب عنه المحدثون وما في وجهه شعرة.

وَقَالَ مُحَمَّد بن أَبى حَاتِم وراق البخارى سَمِعت حاشد بن إِسْمَاعِيل وَآخر يَقُولَانِ كَانَ البخارى يخْتَلف مَعنا إِلَى السماع وَهُوَ غُلَام فَلَا يكْتب حَتَّى أَتَى على ذَلِك أَيَّامًا فَكُنَّا نقُول لَهُ فَقَالَ إنَّكُمَا قد أكثرتما على فاعرضا على مَا كتبتما فأخرجنا إِلَيْهِ مَا كَانَ عندنَا فَزَاد على خَمْسَة عشر ألف حَدِيث فقرأها كلهَا على ظهر قلب حَتَّى جعلنَا نحكم كتبنَا من حفظه ثمَّ قَالَ أَتَرَوْنَ أَنى اخْتلف هدرا وأضيع أيامى فَعرفنَا أَنه لَا يتقدمه أحد. قَالَا فَكَانَ أهل الْمعرفَة يعدون خَلفه فى طلب الحَدِيث وَهُوَ شَاب حَتَّى يغلبوه على نَفسه ويجلسوه فى بعض الطَّرِيق فيجتمع عَلَيْهِ أُلُوف أَكْثَرهم مِمَّن يكْتب عَنهُ وَكَانَ شَابًّا لم يخرج وَجهه.

يقول سليم بن مُجَاهِد : كنت عِنْد مُحَمَّد بن سَلام البيكندى فَقَالَ لى لَو جِئْت قبل لرأيت صَبيا يحفظ سبعين ألف حَدِيث. قَالَ فَخرجت فى طلبه فَلَقِيته فَقلت أَنْت الذى تَقول أَنا أحفظ سبعين ألف حَدِيث قَالَ نعم وَأكْثر وَلَا أجيئك بِحَدِيث عَن الصَّحَابَة أَو التَّابِعين إِلَّا عرفت مولد أَكْثَرهم ووفاتهم ومساكنهم وَلست أروى حَدِيثا من حَدِيث الصَّحَابَة أَو التَّابِعين إِلَّا ولى فى ذَلِك أصل أحفظه حفظا عَن كتاب الله أَو سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

وَعَن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ انْتهى الْحِفْظ إِلَى أَرْبَعَة من أهل خُرَاسَان أَبُو زرْعَة وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل والدارمى وَالْحسن بن شُجَاع البلخى.

وَقَالَ الترمذى لم أر أحدا بالعراق وَلَا بخراسان فى معنى الْعِلَل والتاريخ وَمَعْرِفَة الْأَسَانِيد أعلم من مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل.

وَقَالَ الفربرى حَدَّثَنى نجم بن الفضيل وَكَانَ من أهل الْفَهم قَالَ رَأَيْت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى النّوم خرج من قَرْيَة وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل خَلفه فَإِذا خطا خطْوَة يخطو مُحَمَّد وَيَضَع قدمه على قدمه وَيتبع أَثَره

وَقَالَ خلف الْخيام سَمِعت أَبَا عَمْرو أَحْمد بن نصر الْخفاف يَقُول مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل أعلم فى الحَدِيث من أَحْمد وَإِسْحَاق بِعشْرين دَرَجَة وَمن قَالَ فِيهِ شئ فَعَلَيهِ منى ألف لعنة وَلَو دخل من هَذَا الْبَاب لملئت مِنْهُ رعْبًا

وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْخَواص رَأَيْت أَبَا زرْعَة كالصبى جَالِسا بَين يدى مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل يسْأَله عَن علل الحَدِيث.

وَعَن الفربرى: رَأَيْت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى الْمَنَام فَقَالَ لى أَيْن تُرِيدُ فَقلت أُرِيد البخارى فَقَالَ أقرأه منى السَّلَام.

وَقَالَ إِمَام الْأَئِمَّة ابْن خُزَيْمَة مَا رَأَيْت تَحت أَدِيم السَّمَاء أعلم بِالْحَدِيثِ من مُحَمَّد ابْن إِسْمَاعِيل البخارى

وَقَالَ ابْن عدى سَمِعت عدَّة مَشَايِخ يحكون أَن البخارى قدم بَغْدَاد فَاجْتمع أَصْحَاب الحَدِيث فعمدوا إِلَى مائَة حَدِيث فقلبوا متونها وأسانيدها وَجعلُوا متن هَذَا لإسناد هَذَا وَإسْنَاد هَذَا لمتن هَذَا ودفعوا إِلَى كل وَاحِد عشرَة أَحَادِيث ليلقوها على البخارى فى الْمجْلس فَاجْتمع النَّاس وانتدب أحدهم فَقَالَ وَسَأَلَهُ عَن حَدِيث من تِلْكَ الْعشْرَة فَقَالَ لَا أعرفهُ فَسَأَلَهُ عَن آخر فَقَالَ لَا أعرفهُ حَتَّى فرغ من الْعشْرَة. فَكَانَ الْفُقَهَاء يلْتَفت بَعضهم إِلَى بعض وَيَقُولُونَ الرجل فهم وَمن كَانَ لَا يدرى قضى عَلَيْهِ بِالْعَجزِ.

ثمَّ انتدب آخر فَفعل كَفعل الأول والبخارى يَقُول لَا أعرفهُ إِلَى فرَاغ الْعشْرَة أنفس وَهُوَ لَا يزيدهم على لَا أعرفهُ. فَلَمَّا علم أَنهم قد فرغوا الْتفت إِلَى الأول فَقَالَ أما حَدِيثك الأول فإسناده كَذَا وَكَذَا والثانى كَذَا وَكَذَا وَالثَّالِث إِلَى آخر الْعشْرَة فَرد كل متن إِلَى إِسْنَاده وَفعل بالثانى مثل ذَلِك إِلَى أَن فرغ فَأقر لَهُ النَّاس بِالْحِفْظِ.

روى عَنهُ أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم والترمذى وَمُسلم خَارج الصَّحِيح وَمُحَمّد بن نصر المروزى وَصَالح بن مُحَمَّد جزرة وَابْن خُزَيْمَة وَأَبُو الْعَبَّاس السراج وَأَبُو قُرَيْش مُحَمَّد بن جُمُعَة وَيحيى بن مُحَمَّد بن صاعد وَأَبُو حَامِد بن الشرقى وَخلق

وَآخر من روى عَنهُ الْجَامِع الصَّحِيح مَنْصُور بن مُحَمَّد البزدوى الْمُتَوفَّى سنة تسع وَعشْرين وثلاثمائة

وَكَانَ يَقُول أَرْجُو أَن ألْقى الله وَلَا يحاسبنى باغتياب أحد.

وَسمعت سليم بن مُجَاهِد يَقُول مَا رَأَيْت بعينى مُنْذُ سِتِّينَ سنة أفقه وَلَا أورع وَلَا أزهد فى الدُّنْيَا من مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل

وَاعْلَم أَن مَنَاقِب أَبى عبد الله كَثِيرَة فَلَا مطمع فى اسْتِيعَاب غالبها والكتب مشحونة بِهِ وَفِيمَا أوردناه مقنع وبلاغ.

شخصيته:

نحيف الجسم ليس بالطويل ولا بالقصير طيب النفس، رقيق الشعور، مفرط الكرم ، كثير الإحسان إلى الطلبة، ممتلئ بالنشاط والإخلاص، مع شدة زهده وكثرة ورعه، كما تعود الرياضة فكان يجيد الرمي مصيباً فيه.

وفاته:

ليلة السبت ليلة عيد الفطر، ودفن يوم العيد بعد صلاة الظهر عام 256هـ بخرتنك قرية من قرى سمرقند. رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته.