صحيح البخاري بين العصمة والصنعة الحديثية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين ، والحمد لله ثانيا أن جعلنا من خدمة سنة الحبيب المصطفى، أما بعد:
فحفظ القرآن يضمن حفظ السنة ، فالسنة مكملة للقرآن ، قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : “أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ “.. رواه الترمذي وابو داود واحمد . ومن ضمن دعواتهم للطعن في الدين والسنة هو قولهم أنكم تدعون أن البخاري لا يخطئ اذن هو معصوم ، ومقصودهم هو هدم السنة ؛ فكانت ورقتي للجواب عليهم كالاتي :
صحيح البخاري بين العصمة والصنعة الحديثية
العصمة لغة يراد بها : الحفظ … وهذا المعنى متفق عليه بين جميع العلماء انها للنبي صلى الله عليه وسلم ، ومن عصمه الله من الانبياء ، ولا توجد لمن بعده صلى الله عليه وسلم … وعصمته صلى الله عليه وسلم عصمة وحي ، قال تعالى ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ﴾ النجم الاية 3-4.
ومن هنا يجب التفريق بين شخص البخاري على أنه بشر يخطئ ويصيب ، وبين مؤلفه ، فعدم عصمة البخاري كشخص ينتج عنه احتمال الخطأ ولا ينتج منه الجزم بالخطأ ، فلا عصمة للبخاري ، وانما هي عصمة للقواعد ، فمن خلالها تتأكد صحة الحديث حسب تلك القواعد فهي أدق من ميزان الذهب ، ولا يوجد أحد من أهل العلم يعتمد قولهم قال بأن البخاري معصوم ! ، وهذا الأمر يعرف من خلال النقاد فقد عرض كتابه على أئمة عصره فوافقوه عليه .
والرد على شبهة عصمة البخاري يكون كالاتي :
1- يمكن القول إن البخاري لم يأت بشيء جديد أو غير معروف قبله ، واذا تتبعنا ما جاء به من أحاديث نرى أن البخاري في صحيحه لا يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة ، بل هو يروي عن شيوخه الثقات الذين هم في أعلى درجات الحفظ والاتقان عن مثلهم ، وليس هذا فحسب بل انتقى من احاديثهم الاصح منها ، الى أن يصل الى الصحابة وهم من اشتغلوا بتبليغ الدين من قرآن وسنة … وأقل عدد بين البخاري والنبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة رواة .
2- لا يوجد حديث في صحيح البخاري ، البخاري تفرد به _ (الا حديثا أو حديثين حسب اختلاف العلماء فيه )- الا أنه وظف خبرته الحديثية في انتقاء الاحاديث الأفضل من الموجود ، فالقواعد التي التزمها البخاري في توصيل الاحاديث النبوية تتأكد من خلالها صحة الخبر من عدمه .
3- العلماء لم يسلموا للبخاري بما زعم أنه التزم به من قواعد ! ، فلم يأخذوا احاديثه تسليما ، وانما راجعوا كل ما جاء به ، ليس في عصره فقط بل على مر العصور ، فوجدوه التزم بهذه القواعد ، ولم يخطأ في تطبيقها في منتجه .
4- أن الامة تلقت أحاديث البخاري في صحيحه بالقبول.. ومن هنا يتبين ان الطعن في شخص البخاري يتحتم الطعن في الامة وفي جهدهم فتكون العصمة للامة .. ، عن ابن عمر رضي الله عنه :
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ان الله لا يجمع أمتي أو قال أمة محمد صلى الله عليه و سلم على ضلالة ويد الله مع الجماعة ، رواه الترمذي في باب لزوم الجماعة . فبهذا المجموع من اهل العلم حُق لنا ان نفتخر بصحيح البخاري فهو نموذج للبحث العلمي الرصين للمسلمين ، فكما تعلمون أن اي بحث اذا عرض على مجموعة اساتذة في أي جامعة او لجنة علمية وتوافق عليه ، يزاد هذا البحث رصانة وقيمة علمية .
5- اسم كتاب البخاري ( الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وايامه )
وهذا يدل على ان البخاري رحمه الله جمع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولم يأت به من بنات افكاره ، وهذا جهد علمي قام به هذا العالم الجليل ، ولم يكن له رأي أو تدخل أو اختيار الا في صحة سند الحديث ومتنه ، ولهذا كان له فضل في تبويب الاحاديث وفق الابواب الفقهية لم يسبقه احد في دقة هذا التبويب وشموله .
لذا اقول : نحن كمسلمين لا نفترض من انسان لا يخطئ ، ومن خطئه تعرف مكانته ، لان كل ابن آدم خطاء ، ولان عدم العصمة لا يقتضي حتمية وجود الخطأ في كل ما يروي غير المعصوم ، بل احتمال الخطأ . (مثال الطبيب)
وبهذا يتبين لنا ان البخاري قد سار في كتابه على منهاج دقيق وسليم لا يمكن معارضته بناء على القواعد التي ارتضاها اهل الحديث لا مجرد تحكم عقلي ومذهبي .
والله اعلم