صحيح البخاري بين العصمة والصنعة الحديثية

صحيح البخاري بين العصمة والصنعة الحديثية

د.ندى عبدالله خليل

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين ، والحمد لله ثانيا أن جعلنا من خدمة سنة الحبيب المصطفى، أما بعد:

      فحفظ القرآن يضمن حفظ السنة ، فالسنة مكملة للقرآن ، قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : “أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ “.. رواه الترمذي وابو داود واحمد . ومن ضمن دعواتهم للطعن في الدين والسنة هو قولهم أنكم تدعون أن البخاري لا يخطئ اذن هو معصوم ، ومقصودهم هو هدم السنة ؛ فكانت ورقتي للجواب عليهم كالاتي :

صحيح البخاري بين العصمة والصنعة الحديثية

    العصمة لغة  يراد بها : الحفظ … وهذا المعنى متفق عليه بين جميع العلماء انها للنبي صلى الله عليه وسلم ، ومن عصمه الله من الانبياء ، ولا توجد لمن بعده صلى الله عليه وسلم … وعصمته صلى الله عليه وسلم عصمة وحي ، قال تعالى  ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلهَوَىٰ  إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ﴾ النجم الاية 3-4.

    ومن هنا يجب التفريق بين شخص البخاري على أنه بشر يخطئ ويصيب ، وبين مؤلفه ، فعدم عصمة البخاري كشخص ينتج عنه احتمال الخطأ ولا ينتج منه الجزم بالخطأ ، فلا عصمة للبخاري ، وانما هي عصمة للقواعد ، فمن خلالها تتأكد  صحة الحديث حسب تلك القواعد فهي أدق من ميزان الذهب ، ولا يوجد أحد من أهل العلم يعتمد قولهم قال بأن البخاري معصوم ! ، وهذا الأمر يعرف من خلال النقاد فقد عرض كتابه على أئمة عصره فوافقوه عليه .

والرد على شبهة عصمة البخاري يكون كالاتي :

1-  يمكن القول إن البخاري لم يأت بشيء جديد أو غير معروف قبله ، واذا تتبعنا ما جاء به من أحاديث نرى أن البخاري في صحيحه لا يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة ، بل هو يروي عن شيوخه الثقات الذين هم في أعلى درجات الحفظ والاتقان عن مثلهم ، وليس هذا فحسب بل انتقى من احاديثهم الاصح منها ، الى أن يصل الى الصحابة وهم من اشتغلوا بتبليغ الدين من قرآن وسنة … وأقل عدد بين البخاري والنبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة رواة .

2- لا يوجد حديث في صحيح البخاري ، البخاري تفرد به _ (الا حديثا أو حديثين حسب اختلاف العلماء فيه )-  الا أنه وظف خبرته الحديثية في انتقاء الاحاديث الأفضل من الموجود ، فالقواعد التي التزمها البخاري في توصيل الاحاديث النبوية تتأكد من خلالها صحة الخبر من عدمه .

3- العلماء لم يسلموا للبخاري بما زعم أنه التزم به من قواعد ! ، فلم يأخذوا احاديثه تسليما ، وانما راجعوا كل ما جاء به ، ليس في عصره فقط بل على مر العصور ، فوجدوه التزم بهذه القواعد ، ولم يخطأ في تطبيقها في منتجه .

4- أن الامة تلقت أحاديث البخاري في صحيحه بالقبول.. ومن هنا يتبين ان الطعن في شخص البخاري يتحتم الطعن في الامة وفي جهدهم فتكون العصمة للامة .. ، عن ابن عمر رضي الله عنه :

    أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ان الله لا يجمع أمتي أو قال أمة محمد صلى الله عليه و سلم على ضلالة ويد الله مع الجماعة ، رواه الترمذي في باب لزوم الجماعة . فبهذا المجموع من اهل العلم حُق لنا ان نفتخر بصحيح البخاري فهو نموذج للبحث العلمي الرصين للمسلمين ،   فكما تعلمون أن اي بحث اذا عرض على مجموعة اساتذة في أي جامعة او لجنة علمية وتوافق عليه ، يزاد هذا البحث رصانة وقيمة علمية .

5- اسم كتاب البخاري ( الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وايامه )

     وهذا يدل على ان البخاري رحمه الله جمع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولم يأت به من بنات افكاره ، وهذا جهد علمي قام به هذا العالم الجليل ، ولم يكن له رأي أو تدخل أو اختيار الا في صحة سند الحديث ومتنه ، ولهذا كان له فضل في تبويب الاحاديث وفق الابواب الفقهية لم يسبقه احد في دقة هذا التبويب وشموله .

    لذا اقول : نحن كمسلمين لا نفترض من انسان لا يخطئ ، ومن خطئه تعرف مكانته ، لان كل ابن آدم خطاء ، ولان عدم العصمة لا يقتضي حتمية وجود الخطأ  في كل ما يروي غير المعصوم ، بل احتمال الخطأ . (مثال الطبيب)

   وبهذا يتبين لنا ان البخاري قد سار في كتابه على منهاج دقيق وسليم لا يمكن معارضته بناء على القواعد التي ارتضاها اهل الحديث لا مجرد تحكم عقلي ومذهبي .

 والله اعلم

مقالة بقلم : أ.د. ندى عبدالله خليل