بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، بعث نبيه بالحق والهدى والمحجة البيضاء، ونشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم المأمورون باتباعه وطاعته ومحبته، وعلى آله وأصحابه أجمعين، من آمن به وتربى وتعلم على يديه ونقلوا لنا سنته الغراء، أمَّا بعدُ:
فإنَّ علم الكتاب والسنة أشرف العلوم ولا زال أهل الحديث في القديم والحديث يبذلون الجهود المتواصلة في خدمة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن المتفق عليه بين أهل الشأن أصالة مدرسة الحديث العراقية ومكانتها السامقة وشأنها الراسخ وتأثيرها الواسع، وهي مدرسة أمٌّ ذات ميزة فريدة مختلفة عن المدارس الأخرى وتاريخها شاهد على ذلك فهي ومنذ القرون الأولى للإسلام نجد أنها قد تعددت فروعها التي هي كالأصول، وكل فرع يعد رأسا بنفسه مقارنة بغيره كما في بغداد والكوفة والبصرة والأنبار والموصل وواسط، فضلا عن المحدثين الكرد ممن لهم إسهامات متميزة وأثر واضح.
ومن العراق جاء الإسهام الكبير في تشكيل الصناعة الحديثية في فنون الحديث المتنوعة، وفي حلقات درسه تخرجت الأجيال، فملأ الدنيا علماً ومعرفة، رواية ودراية، حفظا وكتابة.
ورغبة من ثلة من حملة العلم والمتخصصين بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنشأت مدرسة الحديث العراقية، عملا على وصل الحاضر بالماضي الزاهي، وتطلعا لمستقبل باهر ترمقه عيون القائمين على العمل الحديثي إذ تعمل على إيجاد الأرضية الصلبة والأسوار المنيعة التي تبعد الجهلاء والمنحرفين والطاعنين في السنة النبوية وفق رؤية علمية وأهداف مرسومة، خائضين في صعوبات متعددة تتذلل وتتفتت أمام توفيق الله والحق المأمورون بنشره واتباعه.
لقد كان تأسيس هذه المدرسة المباركة محط نظر واهتمام كبير عند أهل الحديث النبوي ومحبيه في العراق، ينشدون مدرسة علمية تكون مرجعية لطلاب الحديث النبوي، على المنهج القويم تعمل على نشر السنة والدفاع عنها والعمل على تثبيتها في صدور الناس باعتبارها المصدر الثاني من مصادر التشريع في الإسلام، امتثالا لأمر الله في كتابه، وعملا بتوجيهه في التعامل مع الصادر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في آيات كثيرة، فقد قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (الحشر: 7) وقوله: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (آل عمران: 31) مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (النساء:80) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (الأحزاب: 36) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (الأحزاب: 71) ثم الآية التي هي ذروة سنام التسليم لله ورسوله والطاعة لهما التي بها يتمايز المؤمنون فقال تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (النور: 51) وبعد أن وفق الله تعالى لتأسيسها قد عملت مدرسة الحديث العراقية وفق نظام معد، وخطط مدروسة على فتح فروع لها ومراكز في مناطق متعددة من العراق، فبحمد الله تعالى تم إنشاء فروع في بغداد في مناطق متعددة منها، ففي الدورة مقرها، وفي اليرموك وجنوب بغداد والغزالية والطارمية، وفي المحافظات في الأنبار (الفلوجة والرمادي) وديالى (بعقوبة وجلولاء) وسامراء والموصل والبصرة وكركوك وغيرها، عملت بفضل الله وتوفيقه منذ تأسيسها في العام 2019 آلاف النشاطات العلمية المتميزة، وأجازت رواية ودراية عشرات الآلاف من الإجازات، وخرجت الكثير من الطلبة الذين حملوا راية التعليم وصاروا يدرسون ما تلقوه وينقلونه لمن بعدهم.