ويخرج أضغانكم (3) بطلان شبهات المستشار أحمد عبدو ماهر بقلم د. عبد القادر المحمدي

ا.م.د. عبد القادر المحمدي

أثار المستشار المصري  أحمد عبدو ماهر شبهة جديدة على قناة فضائية ، إذ شنع المستشار على الفقه الإسلامي عموماً والمذهب الشافعي خصوصاً وعد الفقه سببا لتردي الأمة ! ودعا الى الغائه ،مستشكلاً على فقهاء الشافعية  قولهم (أن ماء الزنا لا حرمة له)  وأنه هدر غير محترم، ثم قال: إن قلتم هو قول شاذ ، فكيف تعدون قائل الشاذ إماماً؟ وراح يسب الأئمة الفقهاء ، ويتباكى على الفضلية!

وقبل أن أبين غلط السيد المستشار أود أوضح مسألة: هي أن قول الفقهاء شاذ لا يعني الشذوذ الذي في ذهن السيد المستشار ! وانما يريدون به المخالف للجمهور المنفرد به.

فالشاذ في اصطلاح الفقهاء هو القول المنفرد عن غيره، أو الخارج عن الجماعة، فهو يطلق فيما كان مقابلا للمشهور أو الراجح أو الصحيح، أي أنه الرأي المرجوح أو الضعيف أو الغريب.

فالفهم الشاذ للمستشار لمفهوم الشاذ حمله على هذا القول الشاذ !!

ولنبدأ مناقشة المستشار:

أولاً: أما عن نسبة هذا القول إلى الإمام الشافعي فهو ثابت عنه، فقال رحمه الله تعالى  كتاب الأم  5 /32 :” فان ولدت امرأة حملت من الزنا اعترف الذي زنا بها أو لم يعترف فأرضعت مولوداً فهو ابنها ولا يكون ابن الذي زنى بها وأكره له في الورع ان ينكح بنات الذي ولد له من زنا كما أكرهه للمولود من زنا وإن نكح من بناته أحداً لم أفسخه ” . انتهى.

وقال الإمام النووي 1/210 :” والمخلوقة من زناه تحل له”. وهكذا هو في سائر المذهب.

طبعاً لا اريد أن ادخل في جدل الفقهاء، وأنه خلاف مذهب الجمهور، لكن الذي أريد قوله هو أنّ فلسفة خلاف الشافعية مع الجمهور في هذه المسألة هي أنّ الجميع يُقرّ ان الاجماع منعقد على ان   (ولد الزنا للفراش) فلا ينسب ولد الزنى –ذكراً أو أنثى-  الى الزاني ، وانما للفراش الذي وطئ يعني لأمها، فلا يسمَ الولد  باسمه ولا يورّث منه، فلما كانت الأحكام  لا تتبعض قالوا بهدر ماء الزنا وأنه غير محترم، لأنه إن قيل: ( ماء الزنا محرم ) اثبتنا تلك سائر الأحكام الأخرى من نسب أو ميراث، فإما نثبت الكل أو ننفي الكل.

 ويناقشون المسالة بإسهاب وتفصيل رائع، لا يعنني هنا ذكره.

فقول الامام الشافعي هذا الذي يستشكله عقل المستشار  قول محترم، وتخريج فقهي معتبر، وأسأل الله ألا يبتلي هذا المستشار فيلجأ الى هذه الفتوى وان يستر علينا ربنا بجميل ستره!

علماً أن هذا الفتوى تتحدث عن حكم شرعي انتهاءً وليس ابتداءً، أي: انَّ الأصل عند جميع الفقهاء والشافعية منهم، أنه لو أراد رجل أن يتزوج ببنت ابتداءً – بمثل هذه الحالة – فأنهم يمنعونه (سماه الشافعي مكروهاً)، أما إن  كان واقعاً انتهاءً – يعني هي واقعة حال ، ورفع للقضاء فحينئذ نضطر للعمل بهذه الفتوى .

فلو جاءنا رجل يريد الآن أن يتزوج بفتاة وهو قد سبق له وأن زنى بأمها ، هو –أو أبوه- فان الفتوى عند الشافعية انفسهم موافقة لرأي الجمهور ابتداء سواء تيقن أنها من مائه أو شك في ذلك.

أما إن كان هذا الرجل وتلك الفتاة متزوجين وبينهما أطفال –مثلاً- فحينئذ نضطر الى الإفتاء بهذا الرأي، كما في حكم الرضعات المحرمة، هل هي واحدة مشبعة او خمس رضعات.

فهذه الفتوى تعالج مشكلة حقيقة في المجتمع، السؤال المهم: ماذا لو أهدرنا قول الشافعي هذا؟ الجواب : سنجد نصف المجتمع اليوم مصيره في الشوارع بين زوج أو زوجة أو والد أو والدة أو بنت أو أخت ، ليس لهم ذنب إلا سفالة ذاك الزاني أبا كان أو أماً أو أخاً أو أختاَ، سيما بعد انتشار فاحشة الزنا نسأل الله السلامة، وصُيرت لها قوانين تحميها في مجتمعاتنا اليوم، فلو كان المستشار نفسه قاضيا في محكمة ورفعت اليه قضية :

امرأة متزوجة ولها أطفال وبعد وفاة زوجها صحا ضمير والدتها (!)فقالت وهي تحتضر: انت من ماء زوجك؟

او من ماء والد زوجك او جد زوجك ؟

بماذا سيقضي مستشارنا المحنك؟ يأخذ برأي الجمهور ؟ وينفي نسب الأولاد ، ويحجبوا من ميراثه، أم سيأخذ برأي الشافعية؟

   واسأل الأخ المستشار كم نسبة زنا المحارم عندنا في مجتمعاتنا ومنها مصر !

أتدرى ان قولنا (ماء الزنا محرم) ماذا يعني؟ انه لو زنا رجل بأم زوجته  -برضا أو غصب -حرمت عليه زوجته ؟ طيب وما حكم أولاده حينئذ ؟ أتدري أن حكم زوجة ابنه التفريق اذا كان متزوجا من ابنة خالته؟ لأنه سيكون خالها؟

ماذا لو زنا رجل بزوجة ابنه –غصباً أو برضا- أتدري أنه ستفرق الزوجة من ابنه؟ وما حكم أحفاده؟ وماذا لو كان متزوجا حفيده من ابنة عمه؟

 لذا فبهذه الفتوى الشافعية تقام الحدود على الزناة، وتحفظ الأسر  البريئة التي لا ذنب لها في القضية من التفكك والضياع .

ووالله لو كان قائل هذه العبارة – التي يتندر بها المستشار على الأئمة- غير مسلم ، لصدع مستشارنا هذا رؤوسنا بإنسانية الغرب ورحمته !

قاتل الله الجهل والهوى.